الاثنين، 13 أكتوبر 2014

الله والعالم ( تسونامى اليابان )


الله والعالم ( تسونامى اليابان )
د. جورج عوض إبراهيم
يتسائل أحد الكُتَّاب قائلاً:أليس الله كلي القدرة؟ وكلي الخير؟ لماذا لا يصلح من ذات خليقته حتى تصبح دليل عليه وعلى كماله؟ لماذا يتركها تعاني وتتألم وتموت جوعًا وجهلاً؟ويستطرد قائلاً: البشر لم يخلقوا هذا العالم ولم يخلقوا أنفسهم. هم لا يستطيعون لأنفسهم فكاك مما هم فيه على مر العصور مهما إختلفت طرق حكمهم أو التحكم فيهم ومهما غيروا من أديان وأنبياء ورسل وكتب مقدسة وشعائر وتعاليم، بل ومهما تقدموا وغزوا الفضاء، وإخترعوا الكمبيوتر... هم لم يخلقوا أنفسهم وليس ذنبهم ما هم فيه وليس في إستطاعتهم الخلاص منه، ولو كانت وجدت الطريقة لذهبوا إليها بكل قوتهم . كما يقول الكاتب ـ حقًا يمر العالم بكثير من الضيقات والشدائد والكوارث، وبعضها يكون من القسوة والألم حتى أنه يوصف بأنه ضد الإنسانية، ضد حق الحياة الطبيعي، فالعالم مليء في كل أنحاءه بالجوع والمجاعات والعوز والحروب الإضطهاداتوالمذابح والأمراض والأسقام، أنه مليء بالظلم والكراهية وكل شيء شرير.
لقد تعرض القديس باسيليوس الكبير لهذه المسألة حين حدثت عدة نكبات في عصره وتسائل الناس في حيرة: هل الله مسببًا للشرور؟ وأجاب القديس بكتابة مقالة تحمل نفس السؤال: هل الله مسببًا للشرور، ونحاول الآن أن نرى محتوى هذه المقالة بإيجاز لنعرف كيف عالج هذا الموضوع.
ينصحنا القديس باسيليوس بأننا ينبغي علينا أن نضع في تصورنا هذا الأمر: إننا نحن خليقة الله الصالح وإننا محفوظون بواسطة الله الذي يدبر الأمور الصغيرة والكبيرة في حياتنا.ويستنتج بعد ذلك نتيجة هامة قائلاً: لذا فإننا لن نعاني شيئًا دون أن يكون لله إرادة في ذلك. ثم ينصحنا أيضًا بأن شيئًا مما نعاني منه لا يعتبر ضارًا لنا، بل يكون أفضل، لأننا عندما نتأمل في ذلك نستطيع أن نقترب من الله خالقنا. ويميز القديس باسيليوس بين النكبات التي نحن 
سببًا مباشرًا لها، وأخرى يسمح بها الله لفائدتنا:"هناك من الشرور ما يتوقف علينا نحن مثل الظلم، والخلاعة، والإنحلال الخلقي والجُبن والجسد والقتل والدسائس وكل ما يترتب عليها من أفعال تلوث النفس التي خُلِقت بحسب صورة الله خالقنا. إن هذه الأفعال تشوه بالطبع جمال النفس".ثم يستعرض تجارب أخرى تأتي من الله، قائلاً:"عندما يأخذ الله المال من الذين يستخدمونه بطريقة سيئة، فإنه يريد أن يدمر ـ بهذه الطريقة ـ الأداة التي بها يظلمون الناس. وأحيانًا يتسبب الله في مرضٍ للذين يكون في صالحهم أن تتقيد أعضائهم ويلازمون فِراش المرض أفضل من أن يكونوا معافين وأحرار في إرتكاب الخطية. والموت يأتي إلى البشر في الوقت المناسب، أي عندما يصلون إلى نهاية حياتهم التي حددها حكم الله العادل منذ البداية، الله الذي قد رأى مسبقًا ما يفيد كل واحد منا. كذلك فإن المجاعات والسيول هي أيضًا نكبات عامة تأتي على المدن والأمم لكي توقف وتحجم فعل الشر المتفاقم".
يجب علينا لكي نفهم ما يقوله القديس باسيليوس أن تكون لنا قناعة وقبول لترتيب الأمور كما رتبها في مقالة، فأولاً علينا أن نؤمن بأننا خليقة الله، وأن هذا الله هو صالح. وهذا الإله هو ضابط الكل أي يدبر كل الأمور في حياتنا سواء كانت صغيرة أم كبيرة. ثانيًا: علينا أن نعيد النظر في رؤيتنا للنكبات. فقد نحكم على أمر بأنه نكبة وكارثة لكن علينا أن نميز بين ما نصنعه بأنفسنا وكان في إمكاننا عدم فعله والأمور التي تبدو أنها بسماح من الله والتي نقرأ فيها رسالة الله لنا.
ولا ننسى أن هذا الكلام يوجهه القديس باسيليوس للمؤمنين. فهو هنا لا يناقش مسألة فلسفية وجدلية. بل هنا هو الراعي الحريص على رعيته والعارف لهموم ومشاكل مجتمعه. فالذي لا يؤمن بأن الله صالح وأنه أب يعتني به ويدبر أموره، لا يستطيع أن يفهم ما يقوله القديس باسيليوس بخصوص هذا الموضوع. وما يقوله القديس يعبر عن تعليم الكنيسة الذي يستند على الكتب المقدسة.
الإنسان مسئول مسئولية كاملة عن نكبات يعاني منها هو ومجتمعه مثل الظلم. فالإنسان عليه أن ينحاز ناحية العدل وإحترام حقوق الآخرين ولا يتطاول على ممتلكات غيره ولا يتفنن لكي يغتصب الحقوق ويجور على الفقراء والمهمشين والضعفاء بل عليه أن يجاهد في سبيل العدالة ومحاربة كل أشكال الظلم. أيضًا الإنحلال الخلقي وإرتكاب الفحشاء من صنع البشر. هذه نكبات من صنع البشر، وكان في إمكانهم عدم فعل هذه الشرور إلا أنهم إختاروا طريق الشر. والرسالة المسيحية لا تكتفي بأن تنصح البشر بعدم إرتكاب الشر بل تمنح بالمسيح إمكانية أن لا يفعل الشر، وهذا هو الجانب السلبي. أما الجانب الإيجابي لهذه الإمكانية هو فعل الصلاح والخير. هذه الإمكانيةتُدعى في خطابنا المسيحي: النعمة المغيرة، التجديد، الميلاد الثاني. ففي المسيحية يمتلك الإنسان القدرة على فعل الخير والصلاح ورفض كل ما هو شر وغير إنساني.
ونرى أن المشكلة في هذه المقالة هو النوع الثاني من النكبات والتي يؤكد لنا القديس باسيليوس أنها تأتي من الله لفائدتنا. والقراءة السطحية تعطي إنطباعًا بأن الزلازل والبراكين وكذلك الأمراض وبعض النكبات هي من الله، وبالتالي فالله مسببًا للشرور. لكن القديس باسيليوس يشرح في نفس المقالة ما قصده من هذا التصنيف ضاربًا لنا مثالاً رائعة نراه في حياتنا اليومية: "مثلما نصف الطبيب بأنه محسن وكريم حتى لو تسبب في إيلام الجسد أو النفس (لأنه يحارب المرض وليس المريض)، هكذا الله هو صالح يدبر الخلاص من خلال محصلة من العقوبات. ونحن لا نتهم الطبيب بأي إتهام عندما يقوم ببتر جزء من أعضاء الجسد أو يكوي آخر، بل نعطيه أجرًا وندعوه مخلصًا لأنه يوقف المرض عندما يظهر في جزء صغير من الجسد قبل أن ينتشر في كل الجسد. ولكنك عندما ترى مدينة تنهار على ساكنيها بسبب زلزال، أو سفينة تتكسر وتغرق في البحر مع كل ركابها، لا تتردد في التجديف على الله الطبيب الحقيقي والمخلص" ويستمر قائلاً: "فكما أن الطبيب ليس هو السبب في إجراء الجراحة أو الكي، بل المرض نفسه، هكذا فالخطايا هي التي تسبب دمار المدن، وليس الله المنزه عن أي إتهام".
وقد يتسائل أحد متعجبًا: أليس هذا التفسير يزيح المسئولية عن الإنسان بخصوص حدوث الزلازل وكذلك غرق سفينة أو إحتراق مبنى أو حوادث الطرق، طالما هي من الله. الإجابة: لا، لأنك لم تفهم جيدًا ما يقوله القديس باسيليوس. إرجع إلى مثل الطبيب لكي تدرك جيدًا تفسيره. الطبيب ليس هو السبب في حدوث المرض، أي الله ليس هو السبب في حدوث هذه الكوارث بل الإنسان حين يرتكب الخطايا. فالنتيجة الطبيعية لإهمال عوامل الأمان فيسفينة تبحر هي الغرق. ما هي مسئولية الله في ذلك، أليس على الإنسان أن يكون حريصًا على تزويد السفينة بكل الأشياء التي تجعلها آمنة وهي تبحر، أيضًا أليس عليه لو حدثت وغرقت هذه السفينة لسبب خارج عن سيطرته مثل العواصف الفجائية أو ما شابه ذلك أن يكون لديه قوارب نجاة وسترات نجاة وجهاز يصدر إشارات إستغاثة. عليه أن يفعل ما في إستطاعته. أليس التراخي والإهمال والتواكل هي خطايا من فعل الإنسان. وبالرغم من أننا نقر بمسئولية الإنسان وبأننا ننادي بالحرص على معرفة وتطبيق وسائل علمية حديثة في كافة مجالات حياتنا لأنها جزءمن مهام الإنسان المبدع والمفكر والمخلوق بحسب صورة الله في السيادة والإبداع والتفكير والإنحياز للخير والصلاح، إلا أنه حين تحدث مثل هذه الكوارث ويسمح بها الله لإحترامه لحرية الإنسان ولأنه ليس هو الكائن الذي يتدخل في اللحظة الأخيرة عنوةً مثل إله الأساطير لكي يعطي حلاً لكل ما يواجهه الإنسان، بل الإله الذي نعبده، لا يغتصب الله شيئًا عنوةً بل يحترم حريتنا ولكنه يحول كل شيء لفائدتنا. هذا ما يريد أن يخبرنا عنه القديس باسيليوس أن مثل هذه الكوارث تأتي من الله أي بسماح منه، إذ لا يتدخل عنوةً لإيقافها بل يترك النتيجة الطبيعية لأفعال الإنسان يواجهها الإنسان بنفسه ويتحمل مسئولية أفعاله. لكن الله يدبر كل الأمور، بمعنى أنه يحول كل صغيرة وكبيرة يواجهها الإنسان لصالح الإنسان. وهذا الأمر يتطلب من الإنسان أن يثق في صلاح الله، مثلما يثق في الطبيب الذي يسمح ببتر عضو من أعضاءه لكي يشفي بقية الأعضاء. فالطبيب لم يكن مسببًا للمرض بل قام بدور الشافي لجسم إعتل بالفعل. هكذا الله مدبر هذا الكون يترك الإنسان يواجه نتائج أفعاله أيًا كانت هذه الأفعال ولكن تدخل الله ينحصر في جعل هذه النتائج لفائدة الإنسان. وقد يتسائل أحد: هل الزلازل والكوارث الطبيعية هي من نتائج فعل الإنسان؟ نقول نعم لأن الكتاب يعلمنا بأنه بسقوط الإنسان وتنصله عن دوره الإعتنائي بالكون تسبب في إصابة الخليقة بتشوهات كثيرة. فهي تئن وتتمخض إلى الآن من جراء أفعال الإنسان مثل إهدار الموارد الطبيعية لفائدته دون مراعاة البيئة المحيطة، التفجيرات النووية التي تحدث في باطن الأرض، التلوث البيئي المستمر بفعل الإنسان. كل هذا يجلب كوارث ويخترق النظام والتوازن الطبيعي. إلا أن نعمة الله تسند الكون وتحول النتائج الوخيمة إلى فائدة الإنسان. وهناك عبارة رائعة في القداس الغريغوري تلخص هذه الحقيقة: "حولت ليَّ العقوبة خلاصًا".
هذه الرؤية ـ كما قلنا ـ هي رؤية الأبناء تجاه الأب الحنون الذي يحب أبناءه، الواثقون في صلاحه ومحبته. أما الذين لا يؤمنون بهذا المحب تظل بالنسبة لهم الكوارث والنكبات والشرور والأمراض معضلة يصعب البحث عن 
إجابة لها.نحن هنا لا نتبنى رؤية دينية ضيقة لتسهيل تفسير مشاكلنا وهمومنا التي نواجهها بل رؤية تؤمن بالله والإنسان. تؤمن بالإله المحب والراعي الصالح وضابط الكل والذي يسعى لتحرير الإنسان من ضعفاته ويمنح للإنسان نعمة تجعله يحيا حياة كريمة غير مكبلة بقيود الضعف واليأس والخنوع بل على النقيض هذه النعمة تعطيه القدرة أن يحيا كإنسان يقوم بدوره الفعال تجاه الكون وأخيه في الإنسانية والمجتمع. إنسان يتسلح بكل الإمكانيات التي أودعها الله فيه ليُفعّلها ويرتقي بنفسهوبالآخرين. لكن هذا الرقي والتقدم ليس بإنتهاج أساليب وتبني مفاهيم فيها يُستخدم البشر وتهدر كرامتهم. بل بأسلوب يكون الإنسان في مكانة عظيمة تليق به كمخلوق إلهي.



مدونة د جورج عوض

شرح عقيدة الثالوث القدوس ..الله هو شخص مطلق


1- الكائن الالهي المطلق والأول هو ليس شخص. الذين ينادوا بهذا الفكر هم أتباع الديانات الشرقية . في هذة الديانات نستطيع ان نُدخِل على سبيل المثال تعليم الهندوسية ، البوذية وديانتي الصين المعروفة : الكونفوشيوسية والتاواسموس. كل هذة الديانات تزعم بأنه بسبب أن مفهوم الشخص يمثل واحدة من صفات الوجود البشري ، وله ،بحسب النتيجة المنطقية ، ملمح نسبي ، لذا غير مناسب أن يُعطى هذا المفهوم للكائن الالهي المطلق. هكذا نُزع مفهوم الشخص عن وجود الله ويقدمون الله في تعاليمهم على أنه اله عالمي غير مشخصن وقاسي بلا شفقة ” ناموس للعالم ” والذي ينظم حياة البشر وتاريخ العالم . هذا الناموس الكوني غير المشخصن يعتبر بداية وغاية كل شييء ، تصف الهندوسية بتعليمهم عن ” البراهما وآتمان ” . البوذية بتعليمها عن ” كارما سامسارا ” ، وديانة الصينيين ( الصيني المسكوني ) بتعليمهم عن ” تاين (السماء) وتاو (الطريق) . من الواضح ان هذة التعاليم تُجد في تضاد تام مع تعليم الكنيسة عن الله والشخص .
2- الله هو شخص مطلق بمفهوم للشخص مفاده هو مجرد وعي ذاتي لكائن . المعضدين لهذة الفكرة هم على سبيل المثال اتباع اليهودية . ايضا، من الأعترافات المسيحية ممكن ان ينضم فرق بروستانتية متطرفة مثل شهود يهوة ، بالرغم من ان هذة الديانات والفِرق – يقبلون وحدانية الله وفرادته ووجود الله الشخصي – يدركون المفهوم اللاهوتي للشخص كمجرد وعي ذاتي لكائن إلهي مطلق . على النقيض مع الديانات الشرقية ، إله الديانات اليهودية والاسلام وإعترافات شهود يهوة لديه وعي بوجوده ، والصفات الشخصية في علاقته بالانسان والعالم ( على سبيل المثال ، يسمع ، يرى ، ينظر ، يحب ، يدين بالعدل ، يصبر …الخ ).
النقص الأساسي لهذا الفكر اللاهوتي ، هو ان الله لا يستطيع ان يعلن صفاته الشخصية في وجوده الأزلي ( أي في وجوده قبل خلق العالم والانسان ) ، بل مخلوقاته في حاجة لكي يعلنها.
هكذا ، إذن ، على سبيل المثال ، لو أن الله يوجد كشخص يحب ( ” الله محبة ” 1يو16:4 ) ، عندئذٍ مَنْ أحبه الله قبل خلق العالم والانسان ؟ ولو أن الله في وجوده الازلي أحب ذاته أو نفسه ، عندئذٍ لماذا أعطانا المسيح وصية أن نحب ليس أنفسنا ( مثل الله ذاته للتشبه به ) بل قريبنا مثل ذواتنا ( لو27:10-28 ، لاو18:19) ؟ لو أيضا الله يسمع وينظر ، عندئذٍ لمَنْ يسمع ، مَنْ كان يراه قبل خلق العالم والانسان؟ بالتالي ، تعليم هذة الديانات والفرق عن الله كشخص مقارنةً بما يماثلها في تعليم الكنيسة نحكم عليه انه صحيح جزئياً لكنه تعليم ناقص لأنه يستقي مفهوم الشخص في حدود ضيقة لوعي الله الكائن ، ولأن هذا المفهوم لا يستطيع ان يفسر كمال مفهوم الشخص في أبدية وجود الله ( أزلياً ، بلا بداية ، بلا زمن ) .
3- الله هو شخص مطلق ، بمفهوم الشخص ، ان يُحَدد كعلاقة. أتباع هذا الفكر اللاهوتي بحسب المفهوم العام ، هم أتباع التعليم اللاهوتي للكنيسة (اللاهوت الارثوذكسي) ، كذلك التعاليم المماثلة للأعترافات المسيحية الذين يقبلون ،على الأقل كأساس في تعليمهم عن الله الشخص ، التعليم عن العقيدة الثالوثية . الله يوجد كثلاثة أشخاص في جوهر واحد ، أي الثالوث القدوس .
عقيدة الكنيسة عن الثالوث يمكن ان نلخصها في الآتي :
أ‌- كل شخص في الثالوث لدية أسماءة الخاصة . يُدرّك بأن هذة الأسماء تُعطّى من جانبنا في محاولتنا ان نصف بكلمات مخلوقة وجود الله الأزلي. أي ليست هذة الأسماء هي غير مخلوقة أو أزلية . أسماء أشخاص الثالوث القدوس هي الآتي :
الشخص الأول : الآب
الشخص الثاني : الإبن ، الكلمة ، الحكمة ، القوة
الشخص الثالث : الروح القدس ، المعزي
ب‌- كل شخص من الثالوث القدوس لديه أقنومه الخاص أو خاصيته الأقنومية والتي لا يشاركه فيها أي من الشخصين الآخرين وتميزه عنهما. أشخاص الثالوث لديهم كل شييء مشترك بينهم فيما عدا الخاصية الاقنومية لكل شخص على حده لأن هذه الخاصية هي التي تميز الواحد عن الآخر وتسمح لهم بأن يوجدوا كأشخاص حقيقيين ( أي كأقانيم مختلفة تؤقنم بطريقة فريدة مطلقة الجوهر أو الطبيعة الإلهية. الخواص الأقنومية للثالوث القدوس هي الآتي :
الشخص الأول : غير المولود ( لأن الآب ليس مولوداً من أي كائن آخر)
الشخص الثاني : مولود ( لأن الابن – الكلمة وُلِدَ من الآب )
الشخص الثالث : منبثق ( لأن الروح القدس هو منبثق فقط من الآب )
ت‌- من جهة علاقتهم مع الطبيعة الالهية ، كل أقنوم من الثالوث هو حامل كل الجوهر الالهي وفي نفس الوقت هو بمفرده الله. أي الجوهر الالهي ينتمي بالكامل ” في نفس الوقت ” لأقانيم الثالوث القدوس .بالتالي الأقانيم الثلاثة ليسوا هم ثلاثة آلهة مختلفين ( أي ثلاثة جواهر منفصلة كما يزعم أتباع المونارخية و أتباع آريوس بل ولا ثلاثة طرق لظهور أقنوم الآب في التاريخ وفي حياة الكنيسة أي ثلاثة ” أقنعة ” بواسطتها الله الواحد يلعب أدوار مختلفة كما زعم سابليوس .
ث‌- أقانيم الثالوث تُوجد كإله واحد لأن بينهم لا يتوسط المكان والزمان . تحليلياً ، المكان والزمان هما أبعاد مخلوقة خُلقت من الله في بداية خلق العالم. بالتالي في الوجود الأزلي للثالوث ( قبل بداية العالم والانسان ) لم يكن يوجد لا مكان ولا زمان . كان يوجد فقط الثالوث غير المخلوق وغير الزمني والذي لا بداية له ، حيث غاب أي مفهوم للمكان والزمان ، والزمان والمكان كأبعاد مخلوقة تُحتّوي بين المخلوقات وتخلق “مسافات” بينهم . هكذا ثلاثة أشخاص من البشر يمكن ان يوجدوا داخل أبعاد المكان والزمان كثلاثة من البشر مختلفين عن بعضهم . على سبيل المثال ، بركليس واسكندر الكبير والامبراطور الروماني نيرون هم ثلاثة أشخاص واحد فى الجوهر او لهم نفس الجوهر ولأن بُعد الزمن يتوسط بينهم يُمكن ان يُدركوا كثلاثة أشخاص مختلفين . بنفس الطريقة ،” يني” الذي يعيش في أمريكا ، و”كوستا” الذي يعيش في اليونان ، و”نيكوس” الذي يعيش في إستراليا هم ثلاثة أشخاص من البشر لهم نفس الجوهر الواحد ، ولأن بُعد المكان يتوسط بينهم يمكن ان يُدركوا كثلاثة أشخاص من البشر مختلفين . ما الذي كان سيحدث لو ان المكان والزمان لم يتوسطا بين بيركليس وأسكندر الأكبر والامبراطور نيرون ، وكوستا ويني ونيكوس ؟ عندئذِ الستة أشخاص هؤلاء المختلفين عن بعض سوف يوجدوا كأنسان واحد بستة أشخاص . هذا يحدث في الثالوث القدوس غير المخلوق والأزلي . لأن في وجود الله الأزلي لا يوجد زمان ومكان ، أي ” مسافة ” لا تُفرض بين الآب والابن والروح القدس وهكذا الثلاثة أشخاص يوجدوا بكونهم إله واحد .
ج‌- من جهة العلاقة بينهم ، أقانيم الثالوث لها وحدة مطلقة للجوهر ، للأفعال وللإرادة. هذة الوحدة تُعبر لاهوتياً بمصطلح ” الأحتواء المتبادل ” . وحدة الارادة هي التعبير الوجودي ” الأنطولوجي” للمحبة المطلقة التي تربط أقانيم الثالوث القدوس . الثالوث القدوس هو في الأساس شركة محبة ، شركة محبة لأقانيم الطبيعة الالهية المساوية في الجوهر. ببساطة ، المحبة التي توحد الثالوث القدوس هي محبة كاملة ومطلقة ، لدرجة أنه من المستحيل ان لا يتفقوا معاً . وحدة إرادة الثلاثة أقانيم للثالوث القدوس كتعبير للمحبة المطلقة التي تربط فيما بينهم وكذلك كتعبير وجودي لطريقة حياة المحبة التي بها أقانيم الثالوث أختاروا بحرية ان يوجدوا مؤقنمين الطبيعة الالهية ( المحبة هي الطريقة التي بها يوجد الشخص ) تمثل بحسب رأييّ النقطة الأساسية لتعليم الكنيسة عن الله والشخص ، الشخص حُدِدَ – للمرة الأولى في التاريخ – كعلاقة . بالتالي مفهوم الشخص حُدِدَ كعلاقة ( أي كشركة محبة لأقانيم الثالوث المساوي في الجوهر ) إنه نتاج وحصاد التعليم اللاهوتي الأرثوذوكسي ، لأن هذا التعليم هو الذي يميز تعليم الكنيسة عن الله والشخص عن التعاليم المماثلة لكل الديانات الأخرى والمجموعات المسيحية التي لا تقبل عقيدة الثالوث القدوس . بالتالي تعاليم اعترافات الايمان المسيحية التي تقبل عقيدة الثالوث القدوس كذلك تعاليم الآباء والكُتاب الكنسيين هي صحيحة بقدر ما ترتبط بتعليم الكنيسة عن الله والشخص وتصيغها بأصالة ودقة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
للمطران يوحنا زيزيولاس . ترجمة د / جورج عوض ابراهيم .. مدونة كينونيا

الخميس، 2 أكتوبر 2014

اين انت يا الله ، بقلم اندراوس

مقدمة :

حينما اعلنت اننى انتقلت من الشك الى المسيحية فلم اكتفى بالايمان الموروث ظن بعض الملحدين اننى اكذب عليهم لذلك قررت ان انشر فلسفة الشك التى وقعت فيها وكيف عبرت من ظلمة الشك الى الايمان بالرب يسوع الذى  ظهر فى الجسد ومات على الصليب لكى يفدينى ويخلصنى من حكم الموت والرجوع للعدم مرة اخرى :


لقد كانت كانت بداية مرحلة الشك عندى ان اتأمل اين الله من  الطغاة

لقد تذمرت على الخالق فى فترة ما قائلا اين انت يا الله من الظلم الذى يحدث بين الشعوب
اين انت من تصرف طاغية مثل هتلر او نيرون .
اين انت من الانبياء الكذبة الذين خطفوا اولادك وجعلوهم يتركوك انت القدوس البار ويعبدوا الهه اخرى غيرك .
اين انت من امم تقدم ابنائها محرقة للاوثان ، اين انت من ذبح الاباء لأبنائهم لأرضاء ربهم ، اين انت من اضطهاد المسيحين فى كل مكان وفى كل زمان .
فهل جزائنا لاننا نعبدك ان نتألم ؟
هل نتيجة ايماننا بك يضطهدنا الحكام ويحرمون الاقباط من المشاركة فى الوظائف العليا ؟
اين انت من كل هذا ؟
اين انت من اغتصاب المسيحيات وبراءة المغتصب ؟
اين انت من قتل الابرياء فى القدس ومن عذاب الامهات فى فلسطين
اين انت من الاحتلال الامريكي للعراق ، وتدميرها
اين انت من اشخاص يسرقون اموال الفقراء ويخرجون للرأى العام وكأنهم حملان ؟
اين انت الفساد المالى والسياسي الذى كان ؟
اين انت من قتلى الحروب وقتلى الشعوب ؟
اين انت لماذا تنسى خليقتك
لماذا تقف بعيد ولا تتدخل ؟
لماذا تتركنا نقتل بعضنا بعض
اين انت من كل هذا ؟
اين انت من التحرش الجنسي الذي يحدث فى الشوارع واين انت من الذى يحدث فى بيوت مشبوهة
اين السلام يا ملك السلام ؟

بقلم
اندراوس عبدالمسيح
من كتاب يا قليل الايمان لماذا شككت
سوف يتم نشر جميع مقالات الكتاب على الانترنت وتجميعها فى النهاية فى صورة كتاب الكترونى ،،، هذا الكتيب للالحاد فقط بينما كتاب من الشك الى الارثوذكسيه فهو يشمل دراستى فى الطوائف المسيحية نفسها 

مفهوم الجخيم

فى المسيحية




orthozoxtradition.blogspot.nl/2014/09/blog-post_64.html?m=1

الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

مفهوم الوحي فى المسيحية

مفهوم الوحي في المسيحية فهو كالآتي:

أ - يختار الله بعض القديسين ويُحرِك قلوبهم للكتابة، وقد يأمرهم مباشرة كما قال لموسى "فقال الرب لموسى اكتب هذا التذكار.." (خر 14:17) وكما قال لأرميا "خذ لنفسك دَرْج سفر واكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به.." (ار2:36)
 ب- يترك الله للكاتب حرية اختيار الألفاظ والأسلوب والكلمات، فلذلك نجد الأسلوب يختلف من كاتب لآخر، ولكن بدون أي تناقض أو تضارب بل في انسجام كامل وتوافق تام فنري داود النبي يكتب بلغة الراعي، وسليمان بلغة الحكيم، وبولس بلغة الفيلسوف وهكذا، وفي نفس الوقت يساعده على انتقاء الألفاظ المناسبة.
ج - يكون الكاتب أثناء الكتابة تحت هيمنة وسيطرة روح الله الذي يحفظه ويعصمه من الخطأ أثناء الكتابة.

د - يكشف روح الله للكاتب ما خُفي عنه مثلما كشف لموسى عن أيام الخليقة.

 ونشكر الله أنه لا يوجد في كتابنا المقدَّس آيات تنسخ آيات أخرى فتصبح الآيات المنسوخة عاطلة بلا فائدة، ولا يأتي الله بتشريع ويلغيه بتشريع آخر ولكن الله يتدرج بالبشرية من مرحلة لأخرى في طريق الكمال والملكوت.
والوحي لا يتقيَّد بلغة معينة إنما يستخدم اللغة التي يستخدمها الشعب، فعندما كانت لغة شعب الله هي اللغة العبرية جاءت كتابات العهد القديم بهذه اللغة، وعندما بدأ الشعب يتكلم الآرامية ويصعب عليه فهم العبرية جاءت بعض الكتابات باللغة الآرامية. كما كانت تقرأ الأسفار المقدسة باللغة العبرية وتترجم فورًا للآرامية، ثم ظهرت ترجمات مكتوبة بالآرامية وهي ما دُعيت بالترجوم، وكُتِب العهد الجديد باللغة اليونانية التي كانت سائدة في ذلك الزمان.. إذًا الوحي لا يتمسك بلغة معينة ولا يفضل لغة على أخري، ولا ننسى أن تعدد اللغات وبلبلة الألسن جاءت نتيجة لخطية الإنسان وعدم إيمانه بوعد الله أنه لن يجلب طوفانًا فيما بعد، ولا ننسى أيضًا ان قصد الله أولًا وأخيرًا ان الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبِلون، ولذلك أوصى تلاميذه أن يذهبوا ويكرزوا للعالم أجمع وأعطاهم أن يتكلموا بلغات مختلفة، ولم يضع الله ثقلًا على الإنسان لا يستطيع القيام به، فمثلًا لم يوصي أنبياءه بالكتابة باللغة العبرية فقط وحظر عليهم الترجمة، وفرض على كل من يريد أن يعرفه أن يتعلم العبرية أولًا.

ويقول الأنبا أثناسيوس المتنيح مطران بني سويف والبهنسا "الوحي طاقة وليس شكلًا، ويمكننا أن نشبهه بالتيار الكهربائي الذي يسري في الأسلاك، وإن كانت العيون لا تراه إلاَّ في ضوء المصباح. الوحي هو الطاقة الحيَّة وليست المصباح المُحدَّد الشكل، فقد تُغيّر المصباح من شكل أنبوبة مستطيلة إلى كرة صغيرة ، ومن اللون الأبيض إلى الأزرق أو الأحمر، والطاقة كما هي لا تفقد صفتها.. إنها كلمة الله مهما تغيرت العبارة، فلو قلنا مثلًا".. هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد.." (يو 16:3) بتركيبات أخرى لظلت هذه الآية كما نقول " أحب الله العالم إلى درجة أنه بذل ابنه.. " أو " بهذا المقدار أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد".. أو غير ذلك الكثير في اللغة العربية أو مئات التعبيرات في اللغات الأخرى.. الوحي قوة تملأ فكر وحس الرسول فينطق به بلغة البشر.. الروح إذًا يضبط الرسول في التعبير " مسوقين" (2بط 21:1) ويحفظه من الخطأ ويعصمه من الذات، فتجئ التعبيرات في لغة البشر ولكن الروح هو القوة الفعالة فيها"(1).

الرد على شبهة الفاظ غير لائقة فى حزقيال ٢٣

الرد للقمص زكريا بطرس : حزقيال إصحاح 23عن أهولة وأهوليبة

أثار الشيخ ديدات موضوع "كيف يوجد في الكتاب المقدس ألفاظ قبيحة غير لائقة بالوحي؟!!

وأذكر تحدي فضيلتة لأحد القسوس الأمريكان الذين يجهلون مقارنة الأديان خاصة ما بين المسيحية والإسلام، أن يقرأ تلك الآيات وكأنها عار وخزي!!!. 

ولكنني هنا أقرأها بكل بساطة وبلا أدنى حرج عالما أنه رغم صعوبة تقبلها لأول وهلة، لكنها ليست بالبشاعة التي يظنها فضيلة الشيخ وأمثاله، خاصة عندما نعرف معانيها ومقاصدها والبيئة التي قيلت فيها. 

فمشكلة القراء السطحيين تكمن في عدم الفهم الدقيق، ولهذا يقول المثل: "إن أنصاف المتعلمين أخطر من الجهلة". وإذا كانت هذه هي حال القراء السطحيين فما بالك بالقراء المغرضين الذين لا يقرءون الكتاب بهدف الفهم والاستفادة، وإنما يقرءونه بهدف تصيد ما يظنون أنه خطأ لا يغتفر، ليوجهوا النقد غير البناء، بل الطعنات التعصبية، سامحهم الله وهداهم إلى ما فيه خير نفوسهم. آمين.

والآن إلى الآيات المعترض عليها في سفر حزقيال، أقرأها بلا أدنى حرج كما ذكرت، ثم أرد على الاتهامات الموجهة إليها، وليعطنا الرب نعمة للإصغاء من أجل الفهم.

نص الآيات من (حز23: 3, 20) 
"وكان إليَّ كلام الرب قائلا يا ابن آدم كان امرأتان ابنتا أم واحدة، وزنتا بمصر. في صباهما زنتا. هناك دغدغت ثديهما وهناك تزغزغت ترائب عذرتهما. واسمهما: أهولة الكبيرة وأهوليبة أختها، واسماهما["السامرة" "أهولة"] و["أورشليم" "أهوليبة"] … وعشقت معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومنيهم كمني الخيل … هكذا قال السيد الرب هاأنذا أهيج عليك عشاقك  فيأتون عليك بأسلحة ومركبات  فيحكمون عليك  أفعل بك هذا لأنك زنيت وراء الأمم لأنك تنجست بأصنامهم.


الرد


بنعمة الله وحكمته أجيب على هذا السؤال المطروح عما ذكر بسفر حزقيال النبي، وسوف تشمل الإجابة على الجوانب التالية:
1ـ كلام الوحي عموما 
2ـ شرح ما كتبه حزقيال هنا 
3ـ الألفاظ غير اللائقة
4ـ ألفاظ من القرآن الكريم.
5ـ ألفاظ من الأحاديث الشريفة.

أولاً: كلام الوحي عموما

كلام الله الموحي به في الكتاب المقدس يتضمن:
(1) قصة خلق الإنسان.
(2) قصة سقوطه في المعصية وطرده من الجنة.
(3) معاملات الله مع الناس عبر التاريخ البشري، معلنا لهم عن محبته رغم سقوطهم.
(4) قصة الفداء والخلاص.
(5) وصايا الله للبشر وأوامره للمؤمنين بفعل الخير، والنهي عن الشر والمنكر.
فمن الواضح أن ما كتب في حزقيال هنا إنما هو نهي عن منكر وقبائح اقترفتها الأمة اليهودية في ذلك الزمان، كما سيتضح مما يلي:

ثانياً: خلفية هذا الكلام

(1) هذا الكلام هو موجه إلى الأمة اليهودية، وهذا ما عبر عنه "بالأم التي لها بنتان".
(2) والبنتان أهولة وأهوليبة = يقصد بهما السامرة عاصمة إسرائيل، وأورشليم عاصمة يهوذا. 
وهذا ما يتضح من الآية الرابعة من نفس الإصحاح حيث يقول: "واسماهما ["السامرة" "أهولة"] و ["أورشليم" "أهوليبة"]
(3) زنا أهولة وأهوليبة [أي السامرة وأورشليم]: يقول النص أنهما زنتا مع كل من مصر، وأشور وبابل ، كما ورد في الآيات من 3 ـ 19 
(4) ما معنى هذا الزنا؟

1ـ لا يقصد قط من هذا الكلام أنه زنا امرأة بالمعنى الحرفي الجنسي. فكيف تزني أمة وهي ليس امرأة زنا حرفياً؟‍‍ ‍
2ـ إذن فالمقصود هو صورة مجازية تعبر عن خيانة هذه الأمة لله الذي ارتبطت به كشعب له، وهذا ما يعبر عنه بالزنا الروحي.
3ـ والزنا الروحي هو صيغة يستخدمها الكتاب المقدس بمعنى خيانة الرب أو العداء له بسبب الالتصاق بالآلهة الأخرى سواء كانت أصناما أو محبة العالم أو غير ذلك. وهذا واضح من قول الكتاب: 
ـ عن الزنا بمعنى ترك الله وعبادة آلهة أخرى: (قضاة2: 17) "زنوا وراء آلهة أخرى وسجدوا لها"
ـ وعن الزنا بمعنى محبة العالم: في رسالة يعقوب: "أيها الزناة والزاني أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله" (يع4: 4)
ـ وعن الزنا بمعنى محبة المال: (هوشع9: 1) "لا تفرح يا إسرائيل طربا كالشعوب لأنك زنيت عن إلهك وأحببت الأجرة …"

إذن فخلفية هذا الكلام موضوع السؤال توضح أنه ليس زنا امرأة بالمعنى الحرفي الجنسي، بل زنا أمة بالمعنى المجازي الروحي بالانفصال عن الله وعبادة آلهة أخرى.

ثالثاً: الألفاظ غير اللائقة في هذا الكلام

هل يجوز أن تذكر مثل هذه الألفاظ في الوحي؟ هذا هو لب الاعتراض. وللإجابة على ذلك نقول أننا لا نستطيع أن نحكم على أي نص إن لم ندرس ملابساته وظروفه واللغة المستعملة في زمانه وتقاليد وعادات الشعوب في ذاك الزمان. فدعنا نوضح الأمور التالية:
(1) هذه الألفاظ كانت وصفا للشرور التي كانت تمارس فعلا في طقوس وشعائر عبادة الأوثان آنذاك. وقد ورد ذلك في دائرة المعارف البريطانية[Encyclopaedia Britannica Vol. 12 P.782]التي تقول: أن من شعائر الانضمام إلى عبادة الأوثان أنهم كانوا يمارسون الجنس في دعارة فاضحة كعلامة لاتحاد عبدة الأوثان في كيان واحد. [وهي نفس الصورة التي أشار إليها الرب بفم حزقيال النبي هنا موبخا ومعاقبا على ارتكابها!]
(2) هذه الشعائر الداعرة الفاضحة لم تكن في نظر فاعليها خزيا وقباحة وإلا لما مارسوها، ولكنها كانت لهم فخراً ومجداً، ولهذا يقول الكتاب عنهم "مجدهم في خزيهم" (فيلبي3: 19) فأراد الرب أن يفضح قبح ما يرتكبون وخزي ما يفعلون.
(3) إن كان ذكر هذه الأمور هكذا قبيحا كما قال الكتاب "لأن الأمور الحادثة منهم ذكرها أيضا قبيح" (أف5: 12) فكم وكم كان خزي فعلها. أما كان ذلك يستحق الفضح والتوبيخ والعقاب.
(4) الواقع أن الله ذكر هذه الرذائل ليعاقب الأمة عليها ولهذا جاء في هذا الجزء من حزقيال حكم الرب بإدانتها، يتضح ذلك من قوله: "لأجل ذلك هاأنذا أهيج عليك عشاقك  فيأتون عليك بأسلحة ومركبات  فيحكمون عليك  أفعل بك هذا لأنك زنيت وراء الأمم لأنك تنجست بأصنامهم". (حز23: 22ـ 31)
(5) علاوة على ذلك نري في ساحة القضاء أن النيابة تطلب من المجرمين تمثيل الجريمة مهما كانت بشعة بكل تفاصيلها المخزية. فهل في ذلك غضاضة وقباحة؟ أو ليست كلمات الوحي في حزقيال هي من هذا القبيل، أفلست إثباتا لجريمة الزنا الروحي في بشاعتها ونجاستها. فلماذا يعتبر ذلك غير لائق في حين أنه لا اعتراض على ما تمارسه النيابة العامة لفضح الجريمة؟؟

(6) بقيت نقطة أخيرة أرجو أن يتقبلها السائل بحسن نية، عالما أننا نحترم الأديان جميعا وعقائد الآخرين كل الاحترام. أقول أن مثل هذه الألفاظ قد وردت في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة الصحيحة. ولا تعتبر غير لائقة أو مستهجنة. بل كما يقول المثل العربي "لا حياء في الدين"

رابعاً: بعض الألفاظ من القرآن
(1) إن لفظة ترائب التي وردت في حزقيال وهي موضوع الاعتراض قد وردت بذاتها في القرآن الكريم في سورة (الطارق الآيات من 5 إلى آية 7) حيث يقول "فلينظر الإنسان مما خُلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب"
(2) ونفس لفظة المنيَّ التي في حزقيال هنا قد وردت بذاتها في القرآن الكريم في سورة (القيامة الآيات من 36 ـ 39) حيث يقول: "أيَحسَبُ الإنسانُ أن يترك سُدى، ألم يك نطفة من منيِّ يمنى، ثم كان علَقة فخَلق فسَوَّى، فجَعَل منه الزوجين الذكر والأنثى"
(3) ومن هذه الألفاظ أيضا ما ورد في سورة (الأحزاب آية 50) "وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين … لكيلا يكون عليك حرج"
(4) وأيضا ما جاء في سورة (النور آية 31) "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظنفروجهن"
(5) وكذلك في سور (الطور والواقعة والإنسان) ما جاء عن وصف الجنة وما فيها من خمر وحوريات وولدان مخلدون:

ـ ففي سورة (الواقعة 16 ـ 25) "يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين وحور عين  فجعلناهن أبكارا"

ـ ويوضح في سورة (الإنسان 19 ـ 23) "وزوجناهم بحور العين … يتنازعون فيها كأسا لا لغوٌ فيهاولا تأثيمٌ ويطوفعليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون"

وإليك تعليقات بعض علماء المسلمين الأفاضل:

+ الأستاذ محمد جلال كشك: يقول: "إنه ثابت بنص القرآن أن حور العين هن للاستمتاع الجنسي" (خواطر مسلم في المسألة الجنسية ص 202) 
+ ويقول الشيخ الغزالي: في (كتاب إحياء علوم الدين) "والجنة مزينة بالحور العين من الحسان، كأنهن الياقوتُ والمرجان، لم يطمثهن (أي لم يجامعهن ) إنس قبلهم ولا جان، يمشين في درجات الجِنان، إذا اختالـت إحداهن في مشيها حمل أعطافَها (أي رداءها ) سبعون ألفا من الولدان، غانجات، (أي مدللات) عطرات، آمنات، من الهرم" 
+ ويعلق الأستاذ محمد جلال كشك أيضا: على هذه اللذة والمتعة قائلا: "لا مجال لأي خجل أو استخذاء من ناحية المطالب الحسية للجسد" ويكمل قائلا: "فليس في الجسد عيب أو قباحة، ولا في تلبية احتياجاته وشهواته المشروعة في هذه الدنيا، ولا في التطلع لمتعة الجسد بلا حد في الآخرة")
(خواطر مسلم في المسألة الجنسية ص211) 
هل يجرؤ أحد أن يقول إن هذا كلام فاضح ومبتذل؟؟!! فلماذا يتجرأ المعترض على كلمات سفر حزقيال وهي لم تصل في كل تعبيراتها إلى مثقالِ ذرةٍ من هذا الكلام؟!

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More